ما الأثر الذي يتركه الاسم على حياة صاحبه؟ هذا السؤال يقود رواية «الأسماء»، العمل الروائي الأول لفلورنسا كناب، حيث تُبنى الحكاية على ملاحظة دقيقة لكيفية تسرّب الاسم إلى النفس والسلوك والاختيارات.
الرواية وصلت إلى المملكة المتحدة بوصفها حدثاً لافتاً: حقوق النشر بيعت بعد 13 جولة مزايدة، ووصفت في معرض فرانكفورت 2023 بـ«كتاب المعرض»، وتُرجمت إلى عشرين لغة. نُشرت الإنجليزية في 6 مايو، والنسخة الفرنسية في 1 أكتوبر عن دار JC لاتيس. هذه الخلفية تسلط الضوء على عمل روائي جديد يتعامل مع سؤال الاسم من زاوية نفسية واجتماعية، دون صخب أو ادعاء.
تنطلق الحكاية من موقف بسيط: كورا تتجه لتسجيل مولودها، لكن الاسم ليس تفصيلاً عابراً. الزوج المسيطر، وهو طبيب محلي، يفرض «غوردون»، اسمه واسم والده. الاسم يثقل على كورا؛ تسمع في مقطعه الأول قسوة صوتية لا تشبه ما تريده لطفلها. تميل إلى «جوليان» بما يحمله من دلالة تتجاوز سلسلة من «الآباء الأرضيين المضطربين»، فيما تقترح الابنة «مايا» اسم «بير» لأنه «لطيف وعطوف، لكنه أيضاً شجاع وقوي». بهذه الاختيارات الثلاثة تفتح الرواية مسارات سردية متوازية.
نتتبع الطفل نفسه وهو يعيش ثلاث حيوات مختلفة: غوردون، جوليان، بير. تتغير المدن والعلاقات والمهن والطباع؛ من برايتون إلى باريس ثم إيرلندا، مع مرور خاطف بالأردن. كل مسار مكتوب بحساسية تتيح للقارئ أن يرى كيف يدفع الاسم باتجاهات بعينها، دون أن يتحول إلى تفسير واحدي أو شعار جاهز. هذا الاتزان يمنح «الأسماء» قوة سردية تحافظ على شدّ الانتباه من صفحة إلى أخرى.
العنف الأسري حاضر بوضوح، ويُروى بأدوات واقعية: حين يكون غوردون في الغرفة يصبح الصمت مشدوداً كوتر، وتتحول التفاصيل اليومية إلى إشارات إنذار. إحدى اللقطات تكشف علاقة القوة حين تُحشر كورا في زاوية بلا مخارج، ويظهر كيف يستثمر الزوج موقعه المهني لإغلاق الأبواب. في مسار آخر، تتصل والدة كورا بالشرطة، لكن تهاون الشرطي بمجرد أنه يتعامل مع «طبيبه» يعرّي تواطؤاً اجتماعياً يفاقم الخطر.
مع تعدد الحيوات، تحافظ الرواية على بوصلة نفسية دقيقة: لا إغراق في الميلودراما، ولا تطهير سريع. العلاقات هنا قابلة للفهم، حتى حين تكون مؤذية. وإذا مالت بعض الصفحات إلى حلاوة زائدة في تصوير «بير»، فإن النص يستعيد توازنه عبر مشاهد صلبة وحوارات مقتصدة تضيء آليات التعلق والخوف والنجاة.
لغة فلورنسا كناب هادئة وفاعلة. لا تعتمد على الاستعارة الثقيلة، وتترك للحدث أن يعمل. هذا الاقتصاد يمنح «الأسماء» إيقاع قراءة سريعاً؛ رواية تُقرأ في جلسة واحدة لأنها تُبقي القارئ قريباً من قلب الصراع: ماذا نفعل حين يصبح أول قرار في حياة الطفل—اسمه—أداة تأثير عميق على من سيكونه لاحقاً؟
«الأسماء» رواية عن تأثير الاسم على المصير، وعن الاختيار في ظل السيطرة، وعن كيف تكتب العائلة مصائرها الصغيرة. من يريد قراءة أدب معاصر عن الهوية والعنف والحب سيجد هنا نصاً متقناً، حديثاً، ومحمولاً على أسئلة تبقى بعد الصفحة الأخيرة.
المصدر : https://aljinane.articlophile.com/blog/i/92375907/...


