رحلت عن عالمنا باتريشيا كروذر، إحدى أبرز الشخصيات في تاريخ الحركة الوثنية الحديثة في بريطانيا، عن عمر ناهز 97 عامًا. وُصفت كروذر بأنها "عالية الكهنوت" وأحد الأسماء التي أعادت للسحر مكانته في العصر المعاصر، بعد عقود من الصور النمطية التي ألحقت بالسحرة وطقوسهم. وُلدت في مدينة شيفيلد شمال إنجلترا كفنانة وراقصة مسرحية، لكنها عُرفت لاحقًا كشخصية محورية في تاريخ الويكا الحديثة – وهي الحركة الدينية الروحية التي أسسها جيرالد غاردنر في خمسينيات القرن العشرين.
دخلت كروذر إلى هذا العالم من خلال زوجها الساحر آرنولد كروذر، الذي قدّمها إلى غاردنر، مؤسس الويكا المعاصرة. ومنذ ذلك الوقت، انخرط الثنائي في نشر أفكار ومعتقدات الحركة الجديدة عبر الكتب والمحاضرات والبرامج التفاعلية، في سعي واضح لتبديد المخاوف والتصورات السلبية المرتبطة بالسحر. وفي سبعينيات القرن الماضي، أطلقت مع زوجها برنامجًا إذاعيًا على *بي بي سي راديو شيفيلد* تحت عنوان "A Spell of Witchcraft"، حيث قدّما فيه تاريخ الويكا وطقوسها وفتحا المجال للحديث عن مجموعات "الكوفن" المحلية لإبراز دورها المجتمعي والروحاني. وقد أكدت كروذر خلال إحدى الحلقات أن السحر لا يرتبط بخوارق أو ظواهر مرعبة، بل يعني حرفيًا "حرفة الحكماء"، أي فن المعرفة والتجربة الإنسانية العميقة.
أصدرت كروذر عدة كتب حول السحر الجديد، تركت فيها شهاداتها وتجاربها ككاهنة عليا ومرجعية أساسية، ساعدت من خلالها في تشكيل صورة أكثر وضوحًا عن الويكا وتقاليدها في الوعي الجماعي البريطاني. وقد نعى المجتمع الوثني رحيلها باعتباره خسارة كبيرة لإحدى آخر الأيقونات الحية لجيل الرواد. وفي تعليق نشرته المجلة الوثنية *Chasse Sauvage*، جاء: "كعالية كهنوت، مؤلفة ومعلمة، تركت باتريشيا كروذر إرثًا عميقًا. إن عملها أتاح للسحر أن يبقى حيًا، متاحًا وحاضرًا في الزمن الحديث".
برحيلها، تخسر بريطانيا إحدى الشخصيات التي صاغت ملامح الديانة الجديدة الأكثر انتشارًا في الغرب، والتي باتت اليوم تمثل مرجعًا روحانيًا لمجتمعات عديدة تبحث عن صلة أعمق بالطبيعة والكون، تاركة وراءها إرثًا يجمع بين الفن والحياة والروحانية في آن واحد.
المصدر : https://www.soubha.com/arabic/i/91400680/rhyl-alsa...


