أطلق مؤرّخ العلاقات بين الأديان بجامعة حيفا، البروفيسور أوريئيل سيمونسون، مبادرات ميدانية جعلت من الدين رافعة لتعزيز التفاهم والتهدئة بين المكوّنات اليهودية والعربية والمسيحية والدرزية في عدد من المدن الإسرائيلية المنقسمة. ويقود “مختبر الدراسات الدينية في حيفا” مسارات عملية تقوم على الحوار المنظّم، وبناء الثقة التدريجي، وإتاحة فضاءات آمنة للتواصل بين القيادات الدينية والفاعلين التربويين والطلبة.
شهد سبتمبر 2024 إطلاق “المجلس متعدد الأديان” في حيفا بمشاركة حاخامات وكهنة وأئمة ومشايخ، وإصدار بيان تضامني في سياق توتر متصاعد. وبعدها امتدّ النموذج إلى مدينتي عكّا والرملة، حيث عُقدت لقاءات مغلقة للبحث في سبل الوقاية من موجات العنف وبناء آليات إنذار مبكر على المستوى المحلي. ويرتكز النهج على بدء خطوات صغيرة لإزالة الشكوك المتبادلة والتقليل من الأحكام المسبقة عبر التعارف الإنساني وتبادل الخبرات.
على الصعيد التربوي، نقل المختبر الحوار إلى المدارس الثانوية، في نظام تعليمي يوصف بأنه شديد الانقسام بحسب الانتماءات الدينية والقومية. وبدأت اللقاءات بمحاضرات عن المواسم والشعائر، ثم تطورت إلى نقاشات مباشرة يطرح فيها الطلاب أسئلة حول جدوى التعاون بين رجال دين في زمن الحرب والتوتر، ما يفتح الباب لحديث أعمق حول المشترك والقيم الإنسانية. كما أطلق المختبر برنامج ماجستير مخصصاً للقادة الدينيين في دراسات الأديان والحوار بين الأديان، تخرّجت دفعته الأولى من حاخامات أرثوذكس ومشايخ دروز ورجال دين مسيحيين بعد ثلاثة فصول من الدراسة والعمل الميداني المشترك.
تستند المبادرات إلى تنوّع جامعة حيفا، التي توصف بأنها الأكثر تعدداً في إسرائيل، وتستقطب نسباً مرتفعة من الطلبة العرب والدروز وذوي الدخل المحدود، ما يمنح بيئة مواتية لمشاريع الاندماج والارتقاء الاجتماعي. ويُصنَّف المختبر مشروعاً محورياً ضمن جهود الجامعة لإعادة بناء النسيج المجتمعي في شمال البلاد بعد الحرب، مع التركيز على المرونة المجتمعية وإعادة التأهيل.
يقرّ القائمون على المبادرات بوجود تحديات وضغوط من تيارات متشددة وانتقادات أكاديمية، إلا أن فلسفة العمل تقوم على الانخراط في المناطق الرمادية والجسور الصعبة بدل تجنّبها، بما يسمح بخلق مساحات حوار مع أصوات متشككة ومتباعدة. وتهدف المرحلة المقبلة إلى تمكين الخريجين والقادة المحليين لإطلاق مبادرات قاعدية داخل جماعاتهم الدينية، وتعزيز الشراكات المدرسية والبلدية، وتحويل الخبرات المتراكمة إلى أدوات عملية للوساطة المجتمعية.
المصدر : https://www.soubha.com/arabic/i/91570605/mor-kh-as...


