Articlophile.xyz | Agrégateur d'Actualités et Articles de Qualité

لوفيغارو : جامع باريس الكبير بين الذاكرة والسياسة الجزائرية


Rédigé le الاربعاء 17 ديسمبر 2025 à 11:44 | Lu 0 commentaire(s)



على مسافة قصيرة من محطات المترو، يهدئ المكان زائره بلوحات تدعو إلى السكينة وترفض العنف. لكن خلف الزخارف الفيروزية والخشب المنحوت والحديقة المروّية بعناية، نقول صحيفة لوفيغارو الفرنسية، تقف قصة أكثر تعقيداً: جامع شُيّد لتخليد تضحيات الجنود المسلمين في الحرب العالمية الأولى، ثم انزاح تدريجياً نحو ارتباط مباشر بمصالح الجزائر داخل فرنسا.  



بدأت الحكاية بقرار جمهوري يرمي إلى تكريم جنود الإمبراطورية الذين سقطوا دفاعاً عن فرنسا؛ فأنشئت جمعية “الأحباس والأماكن المقدسة للإسلام” لتتولى التمويل والإدارة وفق قانون 1905. جاء الطراز المعماري على الطريقة المغربية دون مبالغة، وصار الجامع فضاءً دينياً واجتماعياً حافظ طويلاً على صورة هادئة. مع الوقت تغيّر المشهد: في الثمانينيات تحوّل التمويل نحو مساهمات خاصة، ودخلت الجزائر بثقلها في دعم المؤسسة، ما فتح الباب لتأثير سياسي وديني متزايد على “الإسلام في فرنسا” من خلال واجهة دينية مرموقة في قلب باريس.

هذا التحول بدا أوضح مع تعيين شمس الدين حفيظ على رأس المؤسسة. تصريحات ومواقف علنية حول العلمانية والهوية والانتخابات جعلت الجامع فاعلاً يتجاوز نطاق العبادة. في 2024 استقبل حفيظ المرشحة ريمة حسن وأشاد بـ“نضالها” في سياق الحملة الأوروبية، ودعا المسلمين للتصويت ضد اليمين المتطرف، ثم انتقد إعلامية فرنسية بسبب حديثها عن “التصويت المسلم” وسعى لدى أركوم لاتخاذ إجراءات. هذا التناقض يثير سؤالاً عملياً: هل يُنظر إلى المسلمين كمواطنين أفراد أم ككتلة انتخابية يمكن تعبئتها؟ السؤال يمسّ مباشرة نقاش السيادة الفرنسية وحدود تدخل دولة أجنبية في المجال الديني والسياسي المحلي.

تتداخل السياسة والاقتصاد عبر ملف شهادة الحلال. فمنذ ديسمبر 2022 مُنحت “الجامع الكبير في باريس” صلاحية شبه حصرية لاعتماد منتجات الحلال المتجهة إلى السوق الجزائرية، من الغذاء إلى مستحضرات التجميل والدواء. أصبح على الشركات في فرنسا وأوروبا المرور برسوم واعتمادات تصدرها المؤسسة لتأمين دخول بضائعها إلى الجزائر. يفتح هذا النظام باباً لإيرادات بملايين اليورو ضمن بيئة رقابية يُقال إنها خفيفة، مع بنية شركات مرتبطة بجمعية الأحباس تجعل مسارات الإنفاق غير شفافة بما يكفي ليثير الجدل. ومع ازدهار سوق الحلال وغياب رد فعل حاسم من السلطات الفرنسية، يتضاعف السؤال حول المنافسة والحياد، وحول ما إذا كانت هذه الآلية أقرب إلى “رسم عبور” ديني بواجهة تجارية.

وسط هذا كله، يظل الجامع فضاءً رمزياً لتاريخ طويل: تكريمٌ لجنود سقطوا تحت راية الجمهورية، وذاكرة معمارية تستحضر فاس والقصبات والحدائق المظللة. لكن الرسالة الأصلية تغايرت تحت ضغط تمويل خارجي ومواقف عامة تقرّب المؤسسة من أجندة رسمية لدولة أخرى. حين يصبح الصوت الديني منصّة رأي سياسي أو ذراعاً لاعتماد اقتصادي يؤثر في سلاسل الإمداد، تتسع الفجوة بين “إسلام فرنسا” و“إسلام السياسة”، وتتعقّد معادلة المواطنة والهوية والحياد الديني.

التاريخ لا يختفي؛ بل يعيد طرح نفسه بطرق جديدة. جامع باريس الكبير الذي بدأ بوصفه علامة امتنان، بات مرآة لنقاش حديث حول السيادة والتمويل والشرعية والتمثيل. بين رمزية المنارة وواقع الاعتمادات ورسائل الحملات، تتشكل طبقات من المعاني قد تُربك الانسجام الذي سعى إليه البناء قبل قرن. لذا تظل الأسئلة مفتوحة: كيف تُصان استقلالية الشأن الديني عن حسابات الدول؟ وكيف تُحفظ ذاكرة التضحية من تسييس يومي يختزل جماعة كبيرة في تصويت أو سوق؟




المصدر : https://www.soubha.com/arabic/i/93243295/lofygharo...



Rss
Mobile