Articlophile.xyz | Agrégateur d'Actualités et Articles de Qualité

لماذا تُستهدف فرنسا؟ لأنها تُحرِّر لا تُقمع


Rédigé le الاربعاء 10 ديسمبر 2025 à 16:10 | Lu 0 commentaire(s)



يرى تحليل معاصر أن موجة العداء لفرنسا في أوساط الأصوليين وبعض المحافظين لا تعود إلى قمع مزعوم للمسلمين، بل إلى جاذبية نموذجها اللائكي الذي يُحيِّد الدين في المجال العام ويمنح الأفراد حرية الاعتقاد واللااعتقاد. فمنذ قانون 1905، رسّخت الجمهورية فكرة حياد الدولة، ومنعت أي ديانة من توجيه القرار السياسي، وجعلت القانون المدني هو المرجعية التي تنظم حياة الجميع.



تقول هذه المقاربة إن «العلمانية الفرنسية» ليست مجرد تقنية للتعايش بين الأديان، بل هي أيضاً ضمانة للتحرر من وصاية المؤسسات الدينية. فهي تحمي المعتقد من تسلّط الدولة كما تحمي الضمائر من تسلّط الدين. في هذا الإطار، يُفهم إصرارها على أن تبقى المظاهر التعبدية في الفضاء العام ضمن حدود لا تُحوِّل الشارع إلى ساحة دعوية مفتوحة، وأن يظل القانون المدني فوق التأويلات الشرعية.

يُستدعى في النقاش مثال مصطفى كمال أتاتورك الذي تبنّى في تركيا نموذجاً صارماً لعلمانية الدولة بعد 1924، بما يعكس الإلهام الذي وفّرته التجربة الفرنسية خارج حدودها. ويُشار أيضاً إلى أن التوتر الحالي مع القيادة التركية يبتعد عن هذا الإرث، ما يعمّق الجدل حول موقع الدين في السياسة.

من زوايا اجتماعية، يُلاحظ أن حضور النساء في الفضاء العام، وحرية الاختلاط، واستمرار تقاليد الحوار بين الجنسين، عناصر باتت تُقرأ كجزء من هوية فرنسية تُثير غضب التيارات المتشددة. ويعتبر هذا التيار أن هذه المظاهر تُهدّد منظومة الانضباط الطقسي الذي يريد ضبط حياة الفرد من المهد إلى اللحد، بينما تراها العلمانية خيارات شخصية يحسمها الأفراد بلا إكراه.

تذهب المقاربة نفسها إلى أن فرنسا تُزعج الأصوليين لأنها تتيح للمؤمن أن يظل مؤمناً، أو يغيّر دينه، أو يعزف عن التدين كلياً، دون أن يُختزل في انتمائه الأول. وهنا يبرز فرق جوهري مع مقاربات «تعددية ثقافية» تُثبّت الأفراد في هويات صلبة. حماية الأقليات، وفق هذا المنظور، تعني أيضاً حق الفرد في الخروج من «جماعة الأصل» بلا ثمن اجتماعي مُروِّع.

ويُسجَّل أنه لا توجد هجرة معاكسة واسعة النطاق لمسلمي فرنسا نحو بلدانهم الأصلية، بل إن كثيرين يختارون البقاء لأنهم يجدون إمكانية الجمع بين المواطنة والاعتقاد الخاص، أو تأجيل الممارسة الدينية إلى الحيز العائلي والضمير الفردي. هذا المعطى يُقوّي الحُجّة القائلة إن المشكلة ليست حرية المعتقد، بل محاولات تسييسه.

في المقابل، تُذكّر القراءة ذاتها بمفارقات في بيئات سياسية وإعلامية أميركية ادّعت ريادة حرية التعبير، لكنها أحجمت عن نشر رسوم شارلي إيبدو حتى بعد الهجوم الإرهابي، فيما تُحمى مظاهرات خطاب الكراهية بقوة القانون. كما أُشير إلى فتح «مكتب الإيمان» في البيت الأبيض خلال إدارة ترامب كعلامة على اقتراب المؤسسة السياسية من أطر دينية رسمية، بما يُعقّد فصل الديني عن العام.

ويُطرح قلبٌ للمعادلة الشائعة: ليس «فرنسا المحاصرة» فقط، بل «الإسلام السياسي المحاصر» أيضاً بفعل اختراق ثقافي هادئ يوسّع هوامش الفرد ويُغري بالعيش المفتوح. فالأنماط اليومية للحياة الفرنسية — من حرية الحياة الخاصة إلى ثراء الفضاءات الثقافية — تعمل ببطء على إعادة تعريف العلاقة بالدين من الداخل، دون إنكار الإيمان أو السخرية منه.

في السياسة الداخلية، تُسجَّل ملاحظة نقدية مفادها أن جزءاً من اليسار الفرنسي يتحرج من تسمية «الإسلاموية» خشية وصم أقلية، ما يُربك النقاش العام حول الأمن والحريات. ويُشار في المقابل إلى ميل تيارات شعبوية لتبنّي قواميس العلمانية حين يخدم ذلك أجنداتها، بما يُنتج خطاباً متناقضاً يصعب فرزه بلا معايير ثابتة لحرية التعبير ومكافحة الكراهية معاً.

تجادل هذه الرؤية أيضاً ضد مقولة «التصحر الروحي» في أوروبا. فالقارة بما فيها فرنسا غنية بمؤسسات الثقافة والمعرفة — من المسارح والمكتبات إلى دور الأوبرا والسينما — ما يتيح بحث الأسئلة الوجودية خارج الإكراه الديني. هذا الثراء يُعطي المؤمن واللاأدري والملحد على حد سواء فرصة لصوغ معنى شخصي للحياة بعيداً عن السُلّم العقابي للوصاية.

أما التبشير، فتُعامله القراءة كحق مشروع متى التزم الإقناع لا الإكراه، واستند إلى حجة لا إلى تهديد. وتُضرب تجربة «مجمع الفاتيكان الثاني» بين 1962 و1965 مثالاً على قابلية المؤسسات الدينية للإصلاح الذاتي دون إنكار جذورها، بما يثبت أن الإيمان يمكن أن يتكيّف مع الدولة المدنية وحرية المعتقد.

وفي خلفية هذا كله، يظهر تصور أدبي قديم مفاده أن «الإله» — إن وُجد — لا ينكسر من سخرية، ولا يحتاج إلى حُرّاس يعاقبون باسمه. بعض الكتّاب رأوا أن فرنسا قد تكون مكاناً «يرتاح» فيه المتدين واللامتدين معاً لأن المجال العام لا يفرض طقوساً عليهم، ولأن الصمت إزاء المقدّس متاح بقدر الاحتفاء به. بيت القصيد أن العلمانية الفرنسية لا تعادي الدين، بل تُبعده عن السلطة وتُبقيه خياراً شخصياً، ولهذا تحديداً تُستهدف حين تُحرِّر الأفراد من وصاية الجماعات.




المصدر : https://www.soubha.com/arabic/i/93119324/lmatha-t-...



Rss
Mobile