قبل أسابيع من الاقتراع في ولاية بيهار الهندية، انتقلت شركات التسويق الرقمي من الملصقات والتجمعات إلى منصات الذكاء الاصطناعي. فريق بقيادة مانيش كومار براساد طوّر خطابات بأصوات مستنسخة بلهجات محلية، ومقاطع فيديو موجّهة بدقة، ورسائل شخصية عبر واتساب وتلغرام؛ وكلّه بميزانيات أقل وزمن تنفيذ أسرع. النتيجة: محتوى مفرط المحلية يصل إلى ملايين الناخبين بكلفة شهرية لا تتجاوز 1,500 دولار على اشتراكات أدوات مثل مولّد الصوت من ElevenLabs، ونماذج ChatGPT وClaude، ومولد الفيديو Sora، إلى جانب Gemini من غوغل وLlama من ميتا.
براساد يصف الاستنساخ الصوتي باللهجات المحلية بأنه “مغيّر قواعد اللعبة”: صوت المرشّح يصل إلى القرى النائية كما لو كان حاضرًا، من دون تكاليف لوجستية للحملات التقليدية. الفائدة لم تقتصر على الأحزاب؛ شركات التسويق نفسها قلّصت فرقها واستعاضت بأدوات الذكاء الاصطناعي عن مهام تُنجز عادةً بأعداد كبيرة من العاملين.
لكن هذا الزخم لا يأتي بلا كلفة مجتمعية. انتخابات بيهار جسّدت تحوّلًا نوعيًّا: تكامل الذكاء الاصطناعي في كل مراحل الحملة—من توليد الخطاب والترجمة الفورية من الهندية والإنكليزية إلى لهجات بيهار، إلى إنتاج الملصقات والمواد الترويجية—ما يجعل الوصول أوسع والاستهداف أدق، ويزيد في الوقت نفسه مخاطر التضليل. مستشارو الحقوق الرقمية يرون أن الذكاء الاصطناعي سيؤثر على الرسائل والانتشار وتنظيم المعلومات المضللة في جميع الاستحقاقات المقبلة.
الهيئات التنظيمية حاولت اللحاق. قبل التصويت، أصدرت لجنة الانتخابات الهندية إرشادات تُلزم وسم الصور والصوت والفيديو المُنشأ اصطناعيًا بوضوح. شرطة الولاية سجّلت قضايا جنائية بحق محتوى مخالف، وشكّلت فريقًا متخصصًا يتابع على مدار الساعة؛ لكن مراقبة وتمييز المحتوى المصطنع يظل تحديًا كبيرًا مع واقعية الديبفايك واستنساخ الصوت.
التحدي الأبرز ظهر لدى المدقّقين: نسبة ملحوظة من الإعلانات والمنشورات السياسية على الشبكات كانت مُولّدة بالذكاء الاصطناعي، ما يجعل التفريق بين الحقيقي والمصطنع عسيرًا حتى للمتخصصين. الواقع على الأرض يؤكّد ذلك؛ ناخبون تحدّثوا عن مقاطع تُظهر مرشّحين في حملات ميدانية لم تحدث، ما أربك المتلقّي—خاصة كبار السنّ غير الملمّين بهذه التقنيات.
في المقابل، وظّف مديرو الحملات أدوات تحليل بيانات مثل Google AI Studio وChatGPT لتفكيك التركيبات السكانية وبناء روبوتات دردشة تُجيب عن استفسارات الناخبين بلهجتهم على واتساب وتلغرام. الدراسات تشير إلى أن محادثة مع نموذج ذكاء اصطناعي متحيّز سياسيًا قد تكون أكثر تأثيرًا من الإعلانات التقليدية في تغيير القناعات. اللافت أن “فترة الصمت” قبل الاقتراع—التي تحظر بث نشاط دعائي—لا تشمل الشات بوت؛ ما يفتح نافذة تواصل غير منقطعة مع الناخبين ويقوّض الغاية من مهلة التأمل.
الهند طرحت في أكتوبر مسوّدة قانون لمكافحة المعلومات المُنشأة اصطناعيًا يفرض وسم المواد المصطنعة لدى المزوّدين والمنصّات. لكن منتقدين يرون أنه لا يمنع إنتاج الوسائط الخبيثة ولا يخفّف أضرارها بشكل كافٍ. على الجانب الآخر، الاتساع الهائل للمحتوى المُولَّد—من ملايين الروبوكولات إلى الديبفايك—يجعل مهمة الضبط أصعب.
نتيجة صناديق بيهار جاءت لصالح ائتلاف يقوده حزب بهارتيا جاناتا (BJP)، الذي يستثمر منذ سنوات في تدريب كوادره على توليد صور ومقاطع قصيرة بالذكاء الاصطناعي. الهدف المعلن: إنتاج محتوى جذّاب واسع الانتشار وتمكين المتطوّعين من أدوات حديثة. بالنسبة لمرشّحين محدودي الموارد، كانت التجربة دليلًا على انحياز تقني لصالح الأحزاب الأكبر: الوصول، التدريب، والاشتراكات المدفوعة تمنح أفضلية لا تتاح للجميع.
بين الفعالية والكلفة، تبدو محصّلة الذكاء الاصطناعي في الحملات السياسية مزدوجة: تسريع الإنتاج وتوسيع التغطية والاستهداف المحلي من جهة، وتضخيم الضوضاء المعلوماتية والتلاعب الإدراكي من جهة أخرى. في سياق مثل بيهار—ولاية واسعة السكان ومحدودة الموارد—يمثّل الذكاء الاصطناعي أداة نفوذ جديدة تعيد رسم قواعد اللعبة الانتخابية. السؤال التالي للهند والعالم: كيف نوازن بين الابتكار وحماية الفضاء العام من محتوى مصطنع يقوّض الثقة والقرار الحرّ؟
هذا النص يستند إلى تقرير منشور في منصة Rest of World.
المصدر : https://intelligences.articlophile.com/articles/i/...


