في تونس، سلطة قيس سعيّد: ديكور يدور بلا مضمون


Rédigé le الاثنين 15 دجنبر 2025 à 10:41 | Lu 0 commentaire(s)



في قصر قرطاج، تتكثّف صورة سلطة شخصية تتقدّم على الدولة ومؤسساتها. تُختزل السياسة في مشهد واحد يتكرر: رئيس يحدّد الإيقاع بنبرة صارمة وتعابير ثابتة، فيما تتحوّل الوزارات والهيئات إلى خلفية صامتة



في السنوات الأخيرة، اتسع نفوذ الرئيس على حساب مبدأ فصل السلطات والرقابة المتبادلة. تعاقبت محاكمات بتهم «التآمر على أمن الدولة»، وتزايد حضور خطاب أخلاقي-قانوني يمنح الشرعية لقبضة تنفيذية مشددة. النتيجة أن الاستبداد القضائي أصبح مفردة متداولة في وصف المشهد، وأن مؤسسات الدولة بدت أقرب إلى ديكور إداري يدور من دون فعل حوكمة فعلي.

لم يعد المكتب الحكومي مساحة للنقاش وصنع القرار، بل مكانًا لتثبيت صورة «الحامي» الذي يُصادق على المشاريع ويعلن القرارات من فوق، فيما يكتفي المسؤولون بالتزكية البصرية. يُقرأ كل تصريح وكل إجراء عبر لغة الجسد: نظرة صارمة، حاجب مرفوع، نبرة حاسمة. تتقدّم الصورة على الفعل، والطقس الرمزي على السياسة العامة.

تاريخيًا، خلخلت ثورة 2011 تمثّل الدولة في المخيال الجمعي بعد سقوط نظام زين العابدين بن علي. ذلك الفراغ الرمزي صنع طلبًا على «مرجعية» تعيد النظام واليقين. انتخاب قيس سعيّد في 2019 ثم في 2024 لبّى هذا الطلب عبر صورة «الأب الصارم» وخطاب عربي فصيح يُشبه لغة النص القانوني، وهو ما منح حضوره ثقلًا رمزيًا يتجاوز مضمون الكلام.

لكن هذا التثبيت الرمزي ترافق مع تضييق فعلي على الحقوق والحريات، وتراجع في التوازن المؤسسي بين التنفيذية والتشريعية والقضائية. بات الزمن الاجتماعي والحيّز العام ذا إيقاع واحد: سلطة تُمدّ لذاتها وتتحكّم بالسرد، فيما يُترك المواطن في دور المتفرّج الذي يُصفّق ثم ينسحب.

في هذا السياق، يصبح «الاستقرار» مرادفًا للخضوع لصورة السلطة، وتُختزل الدولة في جسد واحد يُفاوض الجميع باسم القانون ويُخيفهم باسم الدين والشرطة. هكذا يتكرّس حكم شخصي يوسّع حضوره إلى الذاكرة والجغرافيا والاقتصاد، ويوحّد الإشارة الرمزية على حساب تعدّد السياسة وفعالية المؤسسات.

إن إعادة الاعتبار للدولة كمؤسّسات متوازنة تتطلّب استعادة فصل السلطات وآليات الرقابة والمساءلة، وردّ السياسة إلى ميدانها: برامج واضحة، قرارات قابلة للقياس، ومساحة عامة مفتوحة للنقاش. من دون ذلك، ستظل تونس عالقة في مشهد واحد يُعيد إنتاج نفسه بلا مضمون، ويستبدل الحوكمة بصورة تُخضع الجميع.

هذا النص يستند إلى تقرير منشور على موقع «كوريري إنترناسيونال» بعنوان «En Tunisie, le pouvoir selon Kaïs Saïed est “un décorum qui tourne à vide”» ، مع الإشارة إلى النسخة العربية المنشورة على «رصيف22» باعتبارها المصدر الأصلي للأفكار المطروحة.




المصدر : https://alarabiya.articlophile.com/blog/i/93205545...


Dans la même rubrique :