ألغت وزارة الداخلية البريطانية تأشيرة الداعية والمؤثرة الباكستانية توها بنت جليل قبيل بدء جولة من المحاضرات العامة كان يفترض أن تشمل اثنتي عشرة مدينة في المملكة المتحدة، من بينها مؤسسات تعليمية في مناطق ذات كثافة سكانية مسلمة عالية. يرتبط القرار بتحقيق صحفي بريطاني نُسب إليه الكشف عن تصريحات متشددة تتعلق بمفهوم الجهاد وباليهود، ما دفع السلطات إلى اعتبار وجودها على الأراضي البريطانية غير منسجم مع سياسات الأمن ومكافحة التطرف. ترتبط توها بنت جليل بمنظمة شبابية دعوية هي «يوث كلَب باكستان»، التي تمتلك حضورًا مؤسسيًا في المملكة المتحدة، ويُتابَع حسابها على منصات التواصل من قبل أكثر من مليون متابع، ما يضفي على القضية بعدًا يرتبط بتأثير الخطاب الديني في الفضاء الرقمي المعولم.
تأتي هذه الحادثة في سياق متشعب تتقاطع فيه اعتبارات حرية التعبير مع هواجس الأمن الداخلي في الدول الأوروبية، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بخطاب ديني مُصنَّف من قبل السلطات أو الإعلام على أنه يحمل مضامين متطرفة أو تحريضية. فالقرار لا يستند فقط إلى مضمون المحاضرات المزمع تقديمها، بل إلى الصورة العامة التي ترسمها التحقيقات الصحفية والتسجيلات الرقمية عن توجهات المتحدثة ومواقفها من قضايا حساسة، وعلى رأسها العنف السياسي والعلاقة مع المكونات الدينية الأخرى. في هذا الإطار، يتحول الداعية الرقمية إلى فاعلة عابرتأشيرتها أداة ضبط رئيسية تتحكم بها الدولة المضيفة.
من الناحية الدينية والثقافية، تعكس القضية توترًا مستمرًا حول من يملك شرعية تمثيل الخطاب الإسلامي أمام جاليات مسلمة تعيش في أوروبا، وخصوصًا الشباب الذين يبحثون عن خطاب ديني معاصر عبر المنصات الرقمية. فوجود مؤثرين قادمين من بلدان ذات غالبية مسلمة، يخاطبون جمهورًا شابًا بلغته وثقافته البصرية، يعيد تشكيل خريطة المرجعيات الدينية خارج إطار المؤسسات التقليدية في الدول الأوروبية. وعندما يُنسب إلى أحد هؤلاء المؤثرين تبني خطاب متشدد، تتحول القضية إلى نقاش أوسع حول مسؤولية الجاليات والمؤسسات الدعوية في ضبط الخطاب، وحول دور الدولة في التدخل من خلال آليات الهجرة والقانون الجنائي.
تطرح الحادثة أيضًا سؤالًا حول المعايير التي تعتمدها السلطات في تصنيف خطاب ما على أنه متطرف، ومدى شفافية هذه المعايير في الفضاء العام، خاصة عندما يكون الأساس تحقيقًا صحفيًا أو محتوى مجتزأ من سياقه. ففي حالات مشابهة، مثل إلغاء تأشيرات بعض الإعلاميين أو الخطباء على خلفية مواقف من قضايا الشرق الأوسط، كانت القرارات تُبرَّر بعبارات عامة من قبيل «سلوك غير ملائم للصالح العام» أو «دعم خطاب يحض على الكراهية»، من دون تقديم تعريف دقيق متفق عليه لمفهوم التطرف. يفتح ذلك الباب لنقاش قانوني وأخلاقي حول الحد الفاصل بين النقد السياسي أو الديني من جهة، والتحريض على العنف أو الكراهية من جهة أخرى، وحول ما إذا كانت أدوات الرقابة على التأشيرات تتحول أحيانًا إلى وسيلة للضغط على التعبير الديني في المجال العام.
في السياق الأوسع للهجرة والتقويم الزمني للأحداث الدينية والاجتماعية، يتزامن هذا النوع من القرارات في العادة مع فترات توتر سياسي أو أمني، أو مع تصاعد النقاشات حول معاداة السامية والإسلاموفوبيا في أوروبا، ما يجعل كل حالة إلغاء تأشيرة تحمل دلالات تتجاوز الشخص المعني إلى صورة الإسلام والمسلمين في الإعلام والرأي العام. كما يعكس هذا المشهد كيف أن الفضاء الرقمي حوّل الدعاة والمؤثرين إلى عناصر فاعلة في تشكيل الوعي الديني عبر الحدود، وأن التحكم في حركتهم المادية عبر تأشيرات الدخول أصبح جزءًا من إدارة الدول لعلاقتها بالخطاب الديني في زمن تتقاطع فيه الهجرة، والانتماء الديني، والسياسات الأمنية في مشهد واحد شديد التعقيد.
المصدر : https://www.soubha.com/arabic/i/93119703/alghaaa-t...