نعيش وسط مشهد صوتي متواصل يمتد من حركة المرور إلى الأحاديث اليومية، ما يحول الضوضاء إلى شكل من أشكال التلوث السمعي الذي يستنزف الطاقة ويضغط على الصحة. تُعرَّف الضوضاء بأنها صوت مزعج أو مُشوِّش، يجمع بين بُعد فيزيائي قابل للقياس بالديسيبل وبُعد إدراكي ونفسي يحدد كيف نتلقاه ونستجيب له.
تختلف استجابتنا للضوضاء من شخص لآخر تبعًا لمعناها لدينا، ومدى إحساسنا بتهديدها وقدرتنا على التحكم بها. فالسياق والرمزية والمنفعة المتصورة تغيّر أثر الصوت فينا؛ لذلك لا يكفي مستوى الديسيبل وحده لتفسير الانزعاج أو الأذى، بل يظل الشعور الشخصي هو المحدِّد الأكبر للتجربة.
تعمل الضوضاء بوصفها مُجهِدًا بيئيًا منشِّطًا للجهاز العصبي؛ فالأصوات الشديدة أو المفاجئة تُفعِّل اللوزة الدماغية، ما يطلق هرمونات التوتر مثل الأدرينالين والكورتيزول. ومع التعرض المزمن، تتراجع القدرات المعرفية ويتفاقم التهيّج والإرهاق، وتزداد مخاطر القلق والاكتئاب والمشكلات القلبية الوعائية.
حتى أثناء النوم، تقتحم الضوضاء الدماغ وتربك دورات النوم العميق، فتخلّف تعبًا مستمرًا وتراجعًا في الانتباه والذاكرة. ورغم قدرة الدماغ على تصفية جزء من الضجيج المحيط، فإن التعرض المتواصل—خصوصًا عند تجاوز نحو 53 ديسيبل في البيئات المنزلية كما توصي منظمة الصحة العالمية—يرتبط بآثار سلبية واضحة، ما يجعل التلوث الضوضائي قضية صحة عامة.
للحد من الأذى، يجدر تحليل بيئتنا الصوتية وتقليل التعرض الواعي للمصادر المزعجة. ففواصل الهدوء القصيرة في المساحات الخضراء تخفّض تركيز هرمونات التوتر وتنعش الأداء الإدراكي. كما يساعد تكييف أماكن العيش والعمل وتحسين العزل الصوتي وتعزيز الشعور بالسيطرة على الضوضاء في حماية القلب والدماغ والطاقة الذهنية.
المصدر : https://insat.articlophile.com/articles/i/93281390...


