Articlophile.xyz | Agrégateur d'Actualités et Articles de Qualité

السباح: رواية سليمان برادة عن حمّام المغاربة


Rédigé le الاربعاء 17 ديسمبر 2025 à 10:50 | Lu 0 commentaire(s)



سليمان برادة، الكاتب الشاب القادم من طنجة، يقدّم في روايته الأولى "Le Baigneur" (السباح) عملاً أدبياً يتوغّل في ذاكرة الحمّام المغربي بوصفه مكاناً حسّياً واجتماعياً وثقافياً، لا مجرد طقس نظافة. الرواية، الصادرة عن دار النشر لسوبيغاي بالفرنسية، تلتقط طفولة الراوي ونظره اليقظ لتفاصيل الأجسام والطقوس والنظام غير المكتوب داخل الفضاءات المنفصلة للنساء والرجال، وتستعيد فاس في أربعينات ما قبل الاستقلال كخشبة تخييل تمنح الحرية والعمق.



يبدأ برادة من تجربة شخصية: فصلٌ واحد عن الحمّام اقتُطع من نص طويل، نما على مدى خمس سنوات إلى رواية متماسكة. هذا البناء البطيء يمنح السرد كثافة ملاحظة؛ الطفل الذي يُمنع من الكلام يراقب كل شيء بعين مُدرَّبة: حركة المياه على الجلد، إيقاع البخار، إشارات الجسد، والتراتبية الخفية بين الروّاد. في حمّام النساء، يتبدّى الاجتماع والثرثرة والاعتناء بالجسد، وفي حمّام الرجال يسود نظام داخلي محسوس، حيث تتولّى النظرات والإيماءات إدارة المكان أكثر من الكلمات.

الحمّام هنا ليس ديكوراً فولكلورياً، بل فضاء تتشكّل فيه أخلاق الرفقة والحميمية والحدود. يصف الراوي اكتشافه المُربِك لجسمه مقارنةً بأجسام أبناء العائلة والرجال من حوله، وأسئلته الداخلية التي لا تُقال. حرارة المكان، والعراء النسبي، والصوت المكتوم للبخار، كلها تُطلق خيال الراوي وتفتح حقل الرموز: الداخل/الخارج، المخفي/المكشوف، الطهر/اللذة. بهذه الجدلية يصبح الحمّام مصدراً لسرد واقعي مشحون بدلالات، حيث كل تفصيلة جسدية تقود إلى معنى اجتماعي وثقافي.

تستحضر الرواية أيضاً تاريخ الصورة: لوحات المستشرقين لدى جون-ليون جيروم، وصور باسكال مونييه لحمّامات فاس ودمشق وحلب والقاهرة وتونس، لتقارب كيف صيغت نظرة الخارج إلى فضاء الحمّام، مقابل النظرة الداخلية التي يكتبها الراوي. ومن الجيمنازيوم الهيليني إلى غرف تبديل الملابس الحديثة، تتقاطع فضاءات العري المنظّم التي تُعيد إنتاج قواعد غير مكتوبة للرفقة الذكورية، لكن الرواية تعيدها إلى منبع محلي: الثقافة المغربية واستمرارية الطقس.

تحرص الرواية على زمن الأربعينات، لا كحنين، بل كاختيار جمالي يحرّر الخيال من قوانين اليوم. فكما تغيّرت القيم والمعايير في حمّامات معاصرة—مثل فرض ملابس السباحة على النساء حفاظاً على الخصوصية—يستعيد السرد لحظة كان فيها الغموض جزءاً من التجربة، حيث يسمح المكان لعلاقة مختلفة بين الأفراد وأجسادهم وحدودهم.

خلف النص يقف كاتب متقن للأدب الفرنسي، درس مبكراً ونال إجازته في سنّ صغيرة، وله تجربة مسرحية مع فرقة "كوميديا طنجة". هذا الرصيد يظهر في لغة الرواية وصورها وإيقاعها، وفي بناء راويٍ ليس سيرة ذاتية، بل شخصية مُركّبة تجمع من الكاتب ومن الآخرين ما يُبقي النص روائياً لا اعترافياً.

"السباح" عمل يستحق أن يصل إلى العربية، لا لأنه مكتوب عن الحمّام فحسب، بل لأنه يوسّع مخيّلتنا حول الجسد والخصوصية والحنان واللذة والهوية داخل فضاء عربي عريق. ومع اقتراب ترجمته إلى الإنجليزية، تبدو ترجمته إلى العربية خطوة طبيعية تُعيد هذا المتن إلى بيئته الرمزية الأولى، وتفتح حواراً مع قارئه الأصيل في المغرب والعالم العربي.




المصدر : https://aljinane.articlophile.com/blog/i/93233968/...



Rss
Mobile