تشهد الساحة الرقمية في المغرب تحولاً استراتيجياً، حيث أصبح الذكاء الاصطناعي محوراً رئيسياً لتوجهات الدولة وسط سباق عالمي محموم نحو التحديث التقني، بحسب مقال تحليلي نشره موقع GIS Reports Online المتخصص في الجغرافيا السياسية والاقتصاد الرقمي. في البداية، لم يكن يُنظر إلى الذكاء الاصطناعي إلا كحقل هامشي أو متعلّق بالتكنولوجيا الترفيهية، لكنه اليوم بات في صدارة الأولويات الوطنية، مع إصرار مغربي متزايد على بناء سيادة رقمية تُقلّص من الاعتماد الهيكلي على الشركات العملاقة الأجنبية، لا سيما في التعامل مع البيانات والبنى التحتية الرقمية.
يرتكز مشروع المغرب الطموح على ثلاثة محاور أساسية: تطوير بنية سحابية وطنية، توسيع شبكة مراكز البيانات، ودعم حقيقي للشركات الناشئة في مجال التكنولوجيا. والغاية هي تحقيق قفزة نحو الاستقلال الرقمي التدريجي، لينعكس ذلك على الاقتصاد والمجتمع، غير أن واقع التبعية للمكونات والأنظمة البرمجية المستوردة لا يزال يثقل هذا الطموح، خاصة مع استمرار معظم التعاملات الحساسة عبر منصات وجهات واقعها القانوني خارج الرقابة الوطنية. وتُطرح هنا إشكاليات تتعلق بالخصوصية والأمان وحماية السيادة على البيانات الوطنية.
المغرب يبذل جهوداً في المجال التشريعي، مع إنشاء وزارة انتقال رقمي وإعداد مشروع قانون لوكالة وطنية لحوكمة الذكاء الاصطناعي. ومن التجارب الرائدة، إطلاق عملة رقمية سيادية "الدرهم الإلكتروني"، تعتمد على تقنيات البلوكشين وتخضع لرقابة وطنية، في خطوة نحو عصرنة المدفوعات وتقليص الاقتصاد غير المهيكل. بذلك يواجه المغرب تحدي تنظيم الاقتصاد الرقمي صاعد، خاصة مع تصاعد التعاملات بالعملات المشفرة غير المنظمة رغم وجود حظر رسمي منذ 2017.
ومع أن المغرب يشهد توسعًا في برامج التكوين في علوم البيانات والهندسة الرقمية، إلا أن حاجز الأمية الرقمية ونقص الدعم البنكي للمبتكرين الشباب يظل عائقًا أمام احتضان أفكار ريادية قادرة على صنع بيئة ذكاء اصطناعي ذات استقلال فعلي. وفوق ذلك، يبقى النشاط الاقتصادي المرتبط بالتجارة الإلكترونية والقطاعات الابتكارية ضعيفًا، وسط تفاوت كبير بين المدن الكبرى والمناطق الداخلية الريفية.
التجارب المحلية كمعهد الجزري في منطقة كلميم-واد نون، تبرهن أهمية دور الذكاء الاصطناعي في التنمية المتوازنة، وتبرز كيف يمكن توظيف هذه التقنيات في الزراعة الذكية، الصحة الرقمية، الطاقات المتجددة والسياحة المستدامة. لكنها مجهودات لا تزال معزولة عن دينامية وطنية شاملة، في ظل تحديات الدمج البطيء والصعوبات المؤسساتية.
خيارات المغرب المرتقبة تدور بين سيناريو تبعية تكنولوجية متفاقمة وتهجير العقول، أو انتهاج نموذج إصلاحي جريء يستبق المخاطر عبر إصلاحات عميقة ومتواصلة في الحوكمة والتعليم ودعم الابتكار. النجاح في هذا المسار يتطلب تظافر الإرادة السياسية، والاستثمار في رأس المال البشري، والانفتاح الواعي على أسواق الذكاء الاصطناعي العالمية دون التفريط في الهوية والسيادة المحلية.
يبقى رهان المغرب الأكبر هو ترجمة طموحاته الرقمية إلى مكتسبات اقتصادية واجتماعية واسعة، تضمن عدالة الوصول والأمان المجتمعي والاستقلال الفعلي في عالم يتجه باطراد نحو الذكاء الاصطناعي باعتباره معياراً جديداً للقوة الوطنية والتنافسية الجيوسياسية.
المصدر : https://intelligences.articlophile.com/articles/i/...

 
