يشير برنامج "Tout un monde" إلى أن الغرب، ممثلاً بأوروبا والولايات المتحدة، عاش فترات طويلة من السلام والازدهار والديمقراطية منذ نهاية الحرب العالمية الثانية. يعتبر مقدمو البرنامج ومعهم الباحثة الفرنسية نيكول نيزوطو، مؤلفة كتاب «Fractures dans l’Occident»، أن هذه المرحلة تبدو اليوم وكأنها «استراحة» تاريخية أكثر منها تطورًا طبيعيًا، إذ تظهر علامات واضحة على تراجع الديمقراطية وصعود النزعات السلطوية في قلب المنظومة الغربية.
تؤكد نيزوطو في حديثها أن تعريف "الغرب" لم يعد مرتبطًا بالحدود الجغرافية البحتة، بل أصبح منظومة سياسية وجيوسياسية قائمة على تحالف ديمقراطي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا. وتوضح أن النظام الذي أُرسِي عقب الحرب العالمية الثانية تمحور حول ثلاثة مبادئ: الليبرالية الاقتصادية، الديمقراطية السياسية، وسيادة القانون على منطق القوة. لكنها تضيف بأن هذه المرتكزات تتعرض الآن لتبديلات عميقة، حيث تحل محلها سياسات الحماية الاقتصادية، الانحياز للسلطوية السياسية، وتغليب القوة في العلاقات الدولية على حساب القانون.
وتتابع الكاتبة أن انتخاب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب هو مؤشر على هذا التحول وليس سببه الوحيد، إذ تصف ظاهرة ترامب بأنها تعبير عن موجة أيديولوجية أوسع يقودها بعض رجال الأعمال ومليارديرات التقنية، الذين باتوا يرون في الديمقراطية حاجزًا أمام مصالحهم الخاصة، ويرون أن الليبرالية الاقتصادية باتت تخدم الصين أكثر من الولايات المتحدة. وترى نيزوطو أن هذه الظاهرة لم تعد مقتصرة على النخب الاقتصادية، بل امتدت لتشمل قطاعات واسعة من الطبقة الوسطى في الدول الغربية، ممن يشعرون بتهديد لتراجع مستواهم المعيشي وخسارة أبنائهم لفرص التقدم، الأمر الذي جعلهم يعيدون تقييم علاقتهم بالنظام الديمقراطي الليبرالي.
ويذكر البرنامج أن هذا التحول يحمل مخاطر حقيقية لتفكك الأسس الديمقراطية كما عرفها الغرب سابقًا. يتجلى ذلك بوضوح في صعود الأحزاب اليمينية والشعبوية، والانقسام الداخلي في المجتمعات الغربية، وظهور توجهات تطالب بإعادة هيكلة النظام السياسي والاجتماعي. وترى نيزوطو أن العلوم السياسية التقليدية عاجزة عن وصف هذه التطورات، التي تميل أحيانًا إلى ما يسمى "ديمقراطية غير ليبرالية" حيث تتهم النخب المالية والإعلامية والبيروقراطية بتهميش الدور الشعبي.
ويواصل معدّو البرنامج بأن النقاش اليوم في الغرب يتمحور حول خيارين: إما القبول التدريجي بهذا التحول السلطوي أو إجراء إصلاحات عميقة تستعيد فعالية الديمقراطية وتعيد التوازن في توزيع الثروة والعدالة الاجتماعية. وتؤكد نيزوطو أن الغرب يدخل بذلك مرحلة مفصلية تاريخية قد تعيد صياغة النموذج السياسي برمته.
المصدر الرئيسي لهذه الأفكار والمواقف: تصريحات الباحثة نيكول نيزوطو كما وردت في لقاءها ببرنامج "Tout un monde" على إذاعة RTS Première بتاريخ 6 أكتوبر 2025، مع إشارات إلى تقارير ودراسات حول أزمة الديمقراطية الغربية.
المصدر : https://alarabiya.articlophile.com/blog/i/91690495...

 
